جدل واسع حول تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي وتكريس الطائفية

Advertisements

جدل واسع حول تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي وتكريس الطائفية

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية يثير مخاوف من زواج القاصرات وانتهاك حقوق الإنسان

 بغداد  – أوقات

شهدت جلسة مجلس النواب العراقي لعرض القراءة الأولى لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، حالة من الجدل الكبير بين الكتل النيابية ومنظمات المجتمع المدني. ففي الوقت الذي تعتبر بعض الأطراف السياسية هذا التعديل “ضرورة” مجتمعية وقانونية، ترى جهات أخرى أن التعديل هو محاولة لتمرير “شرعنة” زواج القاصرات و”تكريس للطائفية” في التشريعات.

مفاجأة التعديل ومواقف الأحزاب

المفاجأة الأكبر تمثلت في إدراج مشروع تعديل لقانون الأحوال الشخصية ضمن جدول أعمال مجلس النواب، حيث شمل المقترح مواد خلافية تتعارض بشكل مباشر مع المادة 14 من الدستور العراقي، التي تنص على المساواة بين العراقيين بغض النظر عن الدين أو العرق أو الطائفة. قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959 كان ولا يزال يشكل مرجعية قانونية رئيسية لتنظيم شؤون الأسرة العراقية، مثل الزواج والطلاق والميراث والحضانة، وساهم على مدار أكثر من ستة عقود في استقرار الأسرة العراقية وحماية حقوقها.

المعارضة المجتمعية وتحذيراتها

يرى معارضو التعديل أن هذا المقترح يعيد العراق إلى عصور ما قبل الدولة المدنية، ويعزز الهوية الطائفية على حساب الهوية الوطنية الموحدة. ويعتبر أبرز المخاوف من التعديل هو ما يصفه البعض بـ”إضفاء الشرعية” على زواج القاصرات، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية، خاصة أن القانون النافذ يحظر الزواج قبل سن الـ18 عامًا. فتح هذا النقاش جدلاً واسعاً حول مستقبل حقوق المرأة والطفل في المجتمع العراقي، حيث أن التعديل المقترح يسمح بزواج الفتيات بعمر تسع سنوات، وهو ما يعد سابقة خطيرة.

المساواة والطائفية: هل تتأثر الهوية الوطنية؟

من الانتقادات الرئيسية للتعديل هو تكريس عدم المساواة أمام القانون بين المواطنين من مختلف المذاهب الدينية، خاصة ما يتعلق بقضايا الميراث والزواج. فعلى سبيل المثال، يتضمن المذهب الجعفري عدم توريث الزوجة من الأراضي التي تركها زوجها، على خلاف المذهب الحنفي الذي يطبق أحكام المواريث الواردة في القرآن الكريم بشكل متساوٍ. إضافة إلى ذلك، تختلف متطلبات عقد الزواج بين المذاهب، حيث يشترط المذهب الحنفي وجود شاهدين عدلين لعقد الزواج، بينما لا يتطلب المذهب الجعفري ذلك، مما يعكس تفاوتًا قانونيًا بين المواطنين العراقيين على أسس مذهبية.

خلفية التعديل وأثره على حقوق المرأة

التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية ليس جديدًا في المشهد السياسي العراقي. ففي عام 2017، طرحت مقترحات مماثلة، لكنها قوبلت برفض شعبي واسع. ينظر المجتمع العراقي إلى هذه المحاولات على أنها محاولات لتعميق الانقسام المجتمعي وضرب مكتسبات المرأة العراقية. فمنذ عام 2004، ومع اقتراب كل دورة انتخابية، تطرح قضايا تعديل القانون كأداة لإثارة الجدل المجتمعي والصراعات السياسية. يتهم ناشطون في حقوق المرأة بعض البرلمانيين بمحاولة تقليص حقوق النساء في الحضانة والطلاق، بما في ذلك ما تحقق من مكتسبات خلال العقود الماضية.

مخاوف من العودة إلى الطائفية وتقويض المكتسبات المدنية

منظمات المجتمع المدني ترى أن التعديل يعكس انتكاسة واضحة عن المكتسبات المدنية والاجتماعية التي حققها القانون النافذ، ويعزز من حالة الانقسام الطائفي داخل المجتمع العراقي. تعديل المادة العاشرة من القانون والتي تسمح بعقد الزواج خارج المحاكم المدنية ودون فرض عقوبات قانونية، يشكل تهديدًا لاستقرار الأسرة العراقية ويفتح الباب لمزيد من الفوضى القانونية والاجتماعية.

التعديل المقترح الذي يسمح بزواج القاصرين، قد يؤدي إلى ارتفاع نسب الطلاق والعنف الأسري، ويعكس غياب الرؤية الواضحة لحماية مستقبل الأجيال المقبلة. يرى العديد من الحقوقيين أن العراق يواجه تحديات كبيرة إذا تم تمرير هذا التعديل، حيث سيؤدي إلى مزيد من الانقسام داخل المجتمع العراقي بين المذاهب والطبقات الاجتماعية.

ختامًا: إلى أين يتجه الجدل؟

ما زال التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية قيد النقاش في مجلس النواب، ويبدو أن الضغط الشعبي والمجتمعي قد يلعب دورًا كبيرًا في إيقاف تمرير هذه التعديلات. العراقيون أصبحوا أكثر وعيًا بمحاولات استغلال القوانين لتمرير أجندات طائفية أو سياسية، وتبدو هذه المعركة القانونية حاسمة لمستقبل المجتمع العراقي، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على المكتسبات المدنية وحماية حقوق المرأة والطفل.

Exit mobile version