زراعة النخيل في العراق: واقع مأساوي ودعوات للتدخل العاجل

Advertisements

زراعة النخيل في العراق: واقع مأساوي ودعوات للتدخل العاجل

واقع مؤلم يشهده القطاع الزراعي العراقي

تعاني زراعة النخيل في العراق من تدهور مستمر، نتيجة الحروب والإهمال الحكومي والتجريف المتعمد. ما يهدد بفقدان أحد أهم الموارد الزراعية والتاريخية في البلاد. ورغم المحاولات المتعددة لإنعاش هذا القطاع، لا يزال الإنتاج بعيداً عن المستويات المرجوة. يشير الخبراء إلى أن تدخل الحكومة ودعمها لهذا القطاع . بات أمراً ضرورياً للحفاظ على ما تبقى من بساتين النخيل، التي كانت فيما مضى رمزاً للزراعة العراقية.

واسط: جهود محلية للحفاظ على القطاع الزراعي

في محافظة واسط، التي تعد من أهم المناطق الزراعية لزراعة النخيل في العراق، لا تزال التحديات كبيرة. يقول أركان مريوش. مدير زراعة واسط، إن “المحافظة تمتلك مساحات واسعة من بساتين النخيل. وخصوصاً في شمالها، بما في ذلك أقضية الصويرة والعزيزية والزبيدية. وتبلغ المساحات المزروعة بالنخيل في المحافظة حوالي 60 ألف دونم، وتضم أكثر من 70 صنفاً من التمور”.

ويوضح مريوش أن القطاع شهد تحسناً طفيفاً في السنوات الأخيرة بفضل جهود أصحاب البساتين ووزارة الزراعة. لكن لا تزال هناك عقبات كبيرة، أبرزها نقص الحصص المائية للمشاريع الزراعية الجديدة، ما يعيق التوسع في زراعة النخيل. ويلفت إلى أن مكافحة الآفات وتحسين تسويق التمور وتوفير القروض لإنشاء بساتين جديدة تتطلب دعماً إضافياً من الحكومة.

النخيل في العراق.. تراث تاريخي وحاضر مأساوي

من جانبه، أشار أحمد عبد علي القصير، مستشار اتحاد عام الجمعيات الفلاحية في العراق، إلى أن العراق كان يمتلك ما يقارب 30 مليون نخلة، مما يجعله أحد أبرز الدول في زراعة النخيل، لكن هذا العدد تناقص بشكل كبير بسبب نقص العناية والاهتمام، خاصة منذ السبعينيات. يوضح القصير أن جذور زراعة النخيل في العراق تعود لأكثر من 6000 عام، وأن الحضارات القديمة، مثل بابل وسومر. أولت هذه الشجرة اهتماماً كبيراً، والدليل على ذلك “مسلة حمورابي” التي فرضت قوانين صارمة ضد من يقطع نخلة.

ورغم التراث الزراعي الغني، فإن الواقع الحالي للنخيل “مأساوي” وفقاً للقصير. حيث لا تكفي محطات النخيل الحكومية لتعويض الخسائر الكبيرة التي تكبدها القطاع. كما أن ارتفاع تكاليف الإنتاج دفع المزارعين إلى العزوف عن زراعة النخيل، في وقت تُرك فيه الكثير من البساتين للإهمال. أو تحولت إلى مشاريع سكنية مع زحف المدن نحو الأراضي الزراعية.

البصرة: من أيقونة التمور إلى موطن التدهور

تعتبر البصرة، بموقعها الجغرافي وقربها من الخليج. من المناطق التي كانت تشتهر بجودة وكثرة نخيلها، لكنها شهدت تدميراً واسعاً لبساتين النخيل منذ الحرب العراقية الإيرانية. مروراً باحداث في 1991، حيث تم تجريف مساحات كبيرة من الأراضي لأغراض عسكرية. ومع تراجع دور مؤسسة التمور، التي كانت تدعم المزارعين وتقوم بتصدير التمور، تدهورت حالة المزارع بشكل أكبر.

ديالى: تجريف ممنهج وإهمال حكومي

محافظة ديالى، التي كانت تشتهر ببساتينها الغنية بالنخيل والحمضيات، تعاني اليوم من تدهور حاد في المساحات الزراعية. يقول المزارع حسن فلاح من المحافظة، إن “ديالى تضم أكثر من 140 ألف دونم من بساتين النخيل، إلا أنها تعرضت لعمليات تجريف ممنهجة، بالإضافة إلى إهمال حكومي وحرائق غامضة”. ويؤكد أن بعقوبة، مركز المحافظة، فقدت أكثر من نصف بساتينها منذ فيضان 2019، ما زاد من مشكلات الجفاف وارتفاع نسب المحاصيل المستوردة، مما أدى إلى تخلي العديد من المزارعين عن أراضيهم الزراعية وتحويلها إلى قطع أراضٍ سكنية.

تراجع مستمر ودعوات للتدخل العاجل

يلخص القصير المشكلة بقوله إن معاناة النخيل في العراق بدأت منذ السبعينيات، وتأزمت نتيجة الحروب وتراجع الدعم الحكومي وتوقف مؤسسة التمور عن شراء وتصدير التمور. هذا بالإضافة إلى التوسع العمراني العشوائي الذي أتى على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، خصوصاً تلك الواقعة على ضفاف الأنهار، التي كانت ملائمة لزراعة النخيل.

بات الحفاظ على هذا الإرث الزراعي والتاريخي يتطلب تدخلاً عاجلاً من الحكومة، من خلال إعادة الدعم للمزارعين، تحسين سياسات التسويق وتوفير الحصص المائية الكافية، لمنع اندثار هذا المورد المهم، وإعادة زراعة الأراضي المتضررة لإحياء دور العراق الريادي في إنتاج التمور عالمياً.

Exit mobile version