تحقيقات

بسبب الإستيراد العشوائي كيف تغيّرت تسمية سوق الصفافير إلى سوق العصافير؟!

Advertisements

بسبب الإستيراد العشوائي
كيف تغيّرت تسمية سوق الصفافير إلى سوق العصافير؟!

تحقيق :علي صحن عبد العزيز

المحرر مع كامل كرادة احد الباعة في السوق

تداعيات الإستيراد
يقول كامل كرادة / صاحب محل : بعد مرحلة عام (2003) في العراق ،دخل هذا السوق مراحل الإندثار وبدأ بالتراجع والإنزواء شيئا فشيئا ، لجملة أسباب منها ، أغلب الصفارين الحقيقين هاجروا هذه المهنة ،أو إنتقلوا إلى رحمة الله تعالى، كما إن غلاء بدلات الإيجار وقلة الدعم الحكومي عاملان رئيسيان في ضياع هذه المهنة التراثية ، لقد كان في الحكم السابق شارع الرشيد مغلق وأقصد هنا بالقرب من هذا السوق لنشاطه الكبير ، في حين كانت محلات الصفارين أكثر من (60) محل ،أما الآن فلا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة ، ومن هؤلاء (الإسطوات) القدامى الذين مازالوا هنا ، أسعد الصفار والحاج زهير وعمو ناظم ، وكان عددهم في فترة الثمانينيات أكثر من (إسطة) ، ويضيف (كرادة ) قائلا : في الحقيقة العوائل العراقية دخلت مرحلة تطور وهنالك إقبال منها للتبضع ، من خلال الجلسات العربية (البدوية) في البيوت والتي تحتوي على (المنقلة) وهو موقد النار مصنوع من مادة النحاس بالإضافة إلى الدلال ، ويضيف قائلا: لكل مواطن إو مشتري له ذوقه الخاص ، فمنهم من يرغب بصناعتنا اليدوية إو المستورد منها، ونحن هنا نلبي جميع الطلبات ، وأود إن أنوه هنا بأن الصناعة اليدوية تمتاز بالمتانة والقوة ، كما أن هنالك طلبات مباشرة من قبل بعض المواطنين ننفذها أمامهم ، كأن تكون تلميع حاجة أو إضافة لمسة فنية تراثية عليها ، وعن سؤالنا عن الوفود اوو الشخصيات التي زارت سوق الصفافير أجاب (كامل كرادة) قائلا : بطبيعة الحال هنالك الكثير من الشخصيات العامة والسياسية التي زارت سوق الصفافير ، ومنهم (جاك شيراك /رئيس وزراء فرنسا وزوجته ، وياسر عرفات / رئيس دولة فلسطين ، والرئيس العراقي أحمد حسن البكر ، وحسني مبارك ، والملك حسين ومعه صدام حسين ، مرتين متتاليتين ، وقد أخذ الملك حسين ، منارة مبخرة كبيرة ، وقد قدم لنا الكثير من المواد الأولية التي نحتاجها في هذه المهنة ، أما الآن فالوضع أختلف تمامًا وجميع قطع الغيار التي نتعامل بها ، تخضع لمضاربات البورصة العالمية ، فسعر كيلو النحاس ( 20) دولار ، وإذا ما نريد تصنيع (دلة) فإنها تكلفنا بحدود (59- 60) دولار ، والدلة المستوردة بحدود (10) آلاف دينار عراقي ، اي ما تعادل (8) دولارات هذا فيما يتعلق بالدلة ، أما (السيت الكامل ) والذي يتكون من الدلة الكبيرة وملحقاتها ، فيبلغ ثمنها (400-500) الف دينار عراقي ، اي ما يعادل (ثلاثة أوراق فئة المئة دولار أمريكي ، والمستورد منها يبلغ سعره بحدود (125) ألف دينار ، ومن المؤكد بأن المشتري يرغب بالسعر الأخير ، وتبلغ ذروة عملنا في شهر محرم الحرام ، حيث يزداد الطلب على (الزناجيل) وأواني الطبخ الكبيرة ، والتي يستغرق فيها العمل أكثر من (سبعة أيام) ويبلغ وزن الأناء الواحد منه أكثر من (50) كيلو وسعره يتراوح ما بين مليون إلى مليونين دينار عراقي ، اي ما يعادل عشرين ورقة أمريكي ، لأن هنالك جهد وعمليات كبيرة تجرى عليه ، ومنها القص واللحيم والتقرنص ، ونحن نناشد من خلال (جريدة الاوقات) الجهات الحكومية المعنية بضرورة الاعتناء بسوق الصفافير.

إياد حميد عباس /صاحب محل داخل سوق العصافير

اسباب تغيير التسمية
وجهنا بسؤالنا إلى إياد حميد عباس /صاحب محل داخل سوق العصافير ، هل مازالت تسمية سوق الصفافير قائمة إلى حد الآن ؟ – أجابني وبحسرة تقطع نياط القلب : ما تقوله صحيح ولكن في سبعينيات وحتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ، أما الآن فنحن نضحك على هذا الإسم وقد أطلقنا عليه تسمية (سوق العصافير) لأن حركة عمل السوق شبه ميتة بسبب الإستيراد العشوائي وليست هنالك أيادي عراقية يمكنها مزاولة هذه المهنة ،وبصراحة شغلتنا ومهنتنا ستلفظ أنفاسها الأخيرة ، مالم تقوم الدولة بالحفاظ عليها وأصحابها ، ونكرر مطالبتنا للحكومة بضرورة تشجيع الإنتاج الوطني ، إختفاء صوت المطارق التقنية والمكننة الحديثة ، جاءت بضربات جمالية ومعاصرة ، ولكن لم تمسح نكهة التراث وخاصة في هذه المهنة ، هذا السؤال توجهنا به إلى

نوفل أبو عبد الله : لا أخفيك سرًا بأن سوق الصفافير تتميز بضاعته بالدقة العالية ، ولو جاءت بكل تفاصيل التصاميم الحديثة ، فإنها لن تستطيع الوصول إلى ما تصنعه أيادي هؤلاء (الإسطوات) بسبب إن هنالك تفاصيل تراثية وشعبية لا يمكن تقليدها تمامًا، وكانت أيضا علاقات اجتماعية وقوية بين الصفارين ، بدليل لو أحد منهم إنتقل إلى رحمة الله تعالى ، فإن بقية المحلات تبقى مغلقة لحين انتهاء الفاتحة ، ويضيف (أبو عبد الله ) قائلا : ما يحزنني أن أصوات المطارق بدأت بالتضاءل ، وأغلب الاسطوات هجروا هذه المهنة لأنها لم تعد قادرة على تسديد متطلبات حياتهم اليومية.

مقتنيات تراثية

ماهر العزاوي / صاحب محل لبيع التحف الأثرية والنحاسية : تعود إطلاق تسمية سوق الصفافير قبل عام (1200) أي في القرن الثالث ، وكانت أصل بناءه عن اسطبلات تم إنشاؤها لمدارس الخليفة المسنتصر بالله ، وهكذا تغيرت إستخدامها حتى وصلت إلى وضعها الحالي ، وكانت هذه الأماكن تشتهر بصناعة الأواني المنزلية مثل أباريق الشاي والملاعق وغيرها ، ومع مرور الوقت بلغت إعداد هذه المحلات أكثر من (225) محل ، وما تشاهده الآن من تلك المحلات لا يتجاوز أكثر (6) محلات ، وربما يغادرون عرش مهنة الصفارين لتصبح أثر بعد حين .

تفعيل قانون الضمان الإجتماعي

أمين العزاوي /صاحب محل ،وهو أخ ماهر العزاوي : كما تعرف بأن هذه أصحاب المهنة يتعرضون دائما للخطورة ، ولذلك فإن مناشدتنا إلى نقابة الميكانيك لتفعيل دورها ، من خلال تسجيل عضوية انتمائنا لها ، لا أن تكون إجراءاتهم مثل أمانة العاصمة مجرد جباية رسوم النظافة في السوق وهو يغص بالنفايات .
ضوابط صارمة
سعد مهنا الكمالي/ خبير في التنمية الصناعية : نقولها بصراحة بأن كل الحكومات المتعاقبة كانت تدعم هذه المهنة وأصحابها بكل ما يحتاجونه من قطع الغيار مادة النحاس المستورد وتبيعه إليهم بسعر الكلفة ، وكذلك كانت تمنع أصحاب هذه المهنة من تغير مهنتهم وهنالك ضوابط صارمة بهذا الموضوع ، أما الآن فالوضع أختلف تمامًا فأغلب المحلات غيرت مهنتها إلى مهنة البزازين الذين يتعاملون ببيع الأقمشة ، ولذلك نضع هذه المشكلة أمام وزارة الثقافة والسياحة وأمانة العاصمة ، لإنقاذ هذا السوق قبل إن يصبح في خبر كان ، ولنا مناشدة أخرى بأن يتم تدريس أصول مهنة الصفارين ضمن الكليات والمعاهد السياحية والمتعلقة في هذا المعنى ، وأضاف (الكمالي) قائلا : سوق الصفافير يمثل وجهة وملتقى سياحي إلى عهد قريب جدًا ، وكان كان الكثير من الزوار والسواح الأجانب يقصدونه ، لأنه علامة تاريخية ولها بُعدها الحضاري ذو البهاء والرونق لحضارة وادي الرافدين .
لنا كلمة

ونحن نغادر سوق الصفارين ، طلبنا منهم بأن يسمعونا جزء من تلك الموسيقى المرافقة مع ضربة المطرقة ، وكأن لسان حال السوق يقول : من يعيد تجديد شبابنا ، من يبحث عن الأصالة والفن والمهارة الأصيلة من …من …من .. ؟!

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى