الثقافيةثقافة

روائية عراقية تصف الخطاب الإعلامي والثقافي في العراق بـ “وسادةٌ محشوّة تبنًا وهراء”

Advertisements

الروائية لطفية الدليمي: لا أعرف سرّ الوضاعة وفقدان الثقة بالنفس اللتين يعانيها المسؤولون العراقيون الممسكون بأمر الثقافة العراقية.

بغداد-  أوقات :

وصفت الروائية والمترجمة العراقية لطفية الدليمي الواقع الثقافي والإعلامي في العراق بأنه أشبه بـ “وسادةٌ محشوّة تبنا وهراء”.

وكتبت الدليمي التي تعد من جيل الستينيات في الرواية العراقية ونشرت أكثر من عشرين رواية ومجموعة قصصية وتراجم” يبدو أنّ القائمين على أمر الثقافة العراقية – وسياساته الإعلامية – قد أصابتهم عدوى مقاولي الأرصفة المقرنصة. البنى التحتية البغدادية والعراقية في أسوأ أحوالها. هذا ليس مهما. المهمّ هو ما تراه العين. لا عليك بالحشوة. إختر لوسادتك قماشا مزركشا وحسب؛ ولن يهتمّ الناس بعد ذلك بأن تكون محشوة تبنا أم ريش نعام “.

وقالت في إشارة إلى استضافة عشرات الإعلاميين العرب في مهرجان لصناعة الرداءة الإعلامية من قبل مجلة رقمية جديد أسمها “السيدة الأولى” “لا أعرف سرّ الوضاعة وفقدان الثقة بالنفس اللتين يعانيها المسؤولون العراقيون الممسكون بأمر الثقافة العراقية. يبدو أن لا ثقة لهم بالمنتوج الوطني ولم يعملوا أصلاً لتوطين الثقافة العراقية على الرغم من أنّ بعض أكابر الصحفيين والإعلاميين العرب كانوا عراقيين خلّصا خريجي المدرسة الصحفية العراقية الرصينة”.

وأضافت الدليمي التي سبق وأن تعرض منزلها في بغداد لهجوم القوات الأمريكية المحتلة وتدمير محتوياته ومكتبتها وأرث زوجها الراحل المخرج كامل العزاوي الذي كتب وأخرج أول فيلم عراقي ملون “نبوخذ نصر” عام 1962 “إعلان عن احتفال بمجلة عراقية عنوانها يبدو فخما كبيرا (السيدة الاولى)، وكالعادة التي يبدو أنها صارت تقليدا عراقيا فقد دُعيت بعض الوجوه الاعلامية والفنية التي صارت أقرب إلى (الطماطة التي تحضر في كل طبخة هزيلة) سيأتي هؤلاء وتفرشُ لهم السجاجيد الحمراء، وستتكفل سيارات فخمة بنقلهم إلى مكان الاحتفال، وسنرى الكثير من مظاهر التكلف وتقليد الآخرين. ماذا يرادُ من هذه الاحتفاليات الفخمة (الفخامة هنا بمعنى المكلفة مالياً)؟ هل يراد القول أنّ العراق بلد غني؟ وهل صار غنى العراق مبذولاً أمام غير العراقيين بغير حساب؛ أما العراقيون فـ ……. (أكملوا العبارة كما تشاؤون)”.

وكتبت في مقال بموقعها على منصة فيسبوك “سيقول لك المتنفذون وراسموا السياسات: هذا حال الدنيا ونحن لسنا شذوذاً عن الحال السائد. سأجيبك: وهل نحن قردة لا نجيد سوى التقليد الاعمى؟ هؤلاء الذين تصرف عليهم ملايين الدولارات سيأكلون من (ماعونك) ويتنعّمون بدولاراتك لبضعة أيام، ثم سيغادرونك وينسونك تماماً. ما الذي كسبته الثقافة العراقية منهم؟ هل كسبنا إعلاميا؟ هذه أكذوبة. الجميع يعرف تفاصيل الوضع العراقي وحالة الفساد الطاغية فيه، ولسانُ حالهم يقول: ولماذا لانستفيد من بعض فساد هؤلاء. جاءتنا اللقمة إلى فمنا؛ وليس إلا الغبي من يرفسها. سيقول لنا (واضعو السياسات وفلاسفة الاعلام): العراق دولة نفطية غنية، وعليه أن يتشبه بدول الخليج. طيب، تشبّه بهم أولاً في رصانة بنيتهم التحتية ثم افعل ماتشاء. أنت بفعلك الحالي تكون كمن يسرق أهل بيته الفقراء ليتبرّع به”.

ووصفت الدليمي التي كتبت “نساء زحل” واحدة من أروع الروايات التي تجسد الحرب على الهوية التي قادتها الميليشيات الطائفية “الثقافة الحقيقية نتاجُ جهد ومثابرة واجتهاد وليست صنعة ملابس مبهرجة و(نجوم) منفوخين يركبون جكسارات”.

واستذكرت الروائية والمترجمة العراقية عملها في مجلة “الثقافة الأجنبية” بالقول “أذكر عندما كنتً أعملُ سكرتيرة تحرير مجلة (الثقافة الاجنبية) في ثمانينات القرن الماضي قبل أن أتقاعد مبكرا عام 1984، كنّا نعدّ لكل عدد فصلي قبل ستة شهور من موعده، وكنّا نعدّ المحاور السنوية الأربعة في رأس كل سنة، ثمّ كنّا نكاتبُ أفضل المترجمين والكتّاب العرب والعراقيين وكنّا نصرف لهم مكافآت مجزية. كثيرون ممّن صاروا أسماء أدبية وترجمية لامعة خرجوا من معطف (الثقافة الاجنبية) أو مرّوا بأفيائها الظليلة. كنّا نعمل عملاً جدياً ممهوراً بالأصالة؛ ولأجل هذا بقيت المجلة علامة مميزة في تاريخ المطبوعات العراقية والعربية الرصينة. العمل الجيد يصنعه أناسٌ يحبون التعب والدقة والتجويد في العمل إلى اقصى درجاته الممكنة؛ أما محبّو البهرجة وال (شو) الاعلامي فتلك حكاية أخرى سمّوها ماشئتم”.

وعبرت الدليمي عن استغرابها من وزارة الثقافة ومستشاري الثقافة العراقية. بالقول “جوائز الإبداع العراقية شحيحة إلى درجة مخجلة لا تليق ببلد نفطي عند مقارنتها مع الجوائز الخليجية. هنا لا أحد يقول لك أن العراق بلد نفطي لأنه لا يريد الانفاق على العراقيين. شهيتهم مفتوحة للإنفاق على العرب فحسب، وياليتهم طرقوا الأبواب الصحيحة في الانفاق على أفضل العقول العربية. لا يعرفون سوى دعوة هذه الاعلامية أو ذاك الاعلامي من المتخومين بالمال أصلاً “.

ويأتي مقال الروائية لطفية الدليمي في وقت تعاني فيه الثقافة العراقية من أزمة وجودية وتراجع الثقافة الوطنية، وتحول نسبة كبيرة من المثقفين إلى هوامش لتبرير فساد أحزاب طائفية، وتم الإجهاض على التعليم وتحولت وسائل إعلام إلى دكاكين ناطقة باسم الفاسدين.

وانهارت القيم الإبداعية التي عرفت في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي، وانقاد المثقف العراقي لسطوة الرداءة في صناعة الخطاب السائد والرائج بين مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.

واكتفي نسبة من المثقفين العراقيين بالصمت حيال تردي معايير الثقافية بينما تتراجع نوعية صناعة الثقافة في العراق كمعادل لخطاب سياسي وطائفي سائد.

ويتحمل المثقف العراقي نسبة كبيرة مما وصل إليه حال الثقافة في البلد، منذ اشتراكه في الترويج للاحتلال الأمريكي عام 2003، وعمل نسبة كبيرة من “المثقفين” العراقيين بوظيفة مستشارين عند الحاكم الأمريكي للاحتلال آنذاك بول بريمر.

واستمر الحال عندما تطوع عدد من الكتاب والصحافيين والأدباء العراقيين للعمل كأصوات دعائية في ماكنة الأحزاب الطائفية الحاكمة وتبرير فسادها.

فيما انساقت نسبة كبيرة منهم للترويج للخطاب الحكومي على حساب صناعة الثقافة الوطنية بينما يعيش العراق في أزمة وجودية لم يعش مثلها في تاريخه المعاصر، صنعها الاحتلال الأمريكي بعد أن دمر مفهوم الدولة وأجهض على جميع مؤسساتها واستمرت الميليشيات والأحزاب الطائفية في الاجهاز على ما تبقى عبر ترويج التخلف والخرافة التاريخية وتزييف المعلومات.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى