تحقيقات

عشر سنوات مرّت .. وسكان الموصل مازالوا تحت فوهات بنادق الميليشيات 

Advertisements

عشر سنوات مرّت .. وسكان الموصل مازالوا تحت فوهات بنادق الميليشيات 

قبل 10 أعوام سقطت مدينة الموصل ليسجل تنظيم الدولة “داعش” سيطرته على ثلث مناطق العراق، كما سجلت تلك الفترة أحداثا مروعة مرت على المدينة ولا تزال آثارها شاخصة في أحيائها ومبانيها المدمرة.
 وتمثل ندوبا عميقة في نفوس أهالي أم الربيعين، وجروحا لن تندمل كلما استذكروا التشريد والنزوح والمخيمات والحرمان، في مؤامرة أعدت سيناريوهاتها بتنفيذ حكومة رئيس الوزراء الاسبق، نوري المالي، الذي يعتبر المسؤول الأول عن تدهور الأوضاع الأمنية في العراق.
وبعد استعادة الموصل عام 2017 بمشاركة ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة بغطاء جوي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تحول جزء من هذه الجماعات إلى “تجار” ثم إلى “صناع قرار” داخل المدينة التي دفن جزء كبير من سكانها تحت أنقاض المباني المدمرة في العمليات العسكرية.


ومازالت مدينة الموصل تعاني من سوء الوضع الأمني في محافظة نينوى وعدم الاستقرار في ظل سيطرة الميليشيات الموالية لإيران ومكاتبها الاقتصادية فضلاً عن الهيمنة الحزبية، وهنالك بعض المناطق لا تزال تعاني من إرباك أمني، كما يحدث في مناطق الأقليات، مثل المسيحيين، وبلدة سنجار ومناطق أخرى قريبة من الحدود السورية.
أما الوضع الصحي في المدينة فلا يزال يعاني من ضعف ملحوظ، حيث تسجل نينوى أعلى حالات الإصابة بأمراض السرطان، بعدد بلغ 2700 إصابة عام 2022 فقط، بحسب إحصائية لوزارة الصحة، وذلك لما شهدته المحافظة من استخدام أسلحة فتاكة ومخلفات حربية، كما يشهد الواقع الصحي تراجعا نتيجة عدم إكمال المؤسسات الصحية والمستشفيات وضعف تجهيزها رغم إنجاز بعضها.
ومنذ سقوط الموصل وحتى إعلان استعادة آخر المناطق من سيطرة التنظيم بين عامي 2014 و2017، أدت معارك استعادة السيطرة إلى سقوط أكثر من ربع مليون قتيل وجريح، إلى جانب عشرات آلاف الأشخاص المختطفين والمغيبين.
و يؤكد ناشطون من المدينة أن كل مواطن من الموصل أخذ حصته من الآلام والذكريات المريرة، فيما هناك من المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة نسبة كبيرة، بالإضافة إلى المصابين بالحالات النفسية. وبالرغم من أن أغلبيتهم مسجلون لدى الدوائر والمؤسسات الحكومية المعنية بحالاتهم، لكنهم يطمحون إلى مزيدٍ من الرعاية.

سقوط متتالي
بعد سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم “داعش”، توالى سقوط أكثر من 20 مدينة عراقية في أقل من أسبوع، في شمال البلاد وغربها، أبرزها البعاج وتلعفر وسنجار والقيارة والحظر وربيعة والجزيرة، ثم تلتها تكريت وبلد والدور والإسحاقي، وصولاً إلى الرمادي وهيت والرطبة والقائم والكرمة وراوة وعانة وآلوس وبلدات أخرى، والتي شكّلت مساحة تزيد عن 45% من إجمالي الخريطة العراقية.
وخاض العراق، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، معارك عنيفة لاستعادة السيطرة على الموصل بدءاً من أكتوبر/ تشرين الأول 2016، استمرت نحو عشرة أشهر، لتنتهي بطرد مسلحي “داعش” في يوليو/ تموز 2017، مخلّفة عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين.
وخلفت هذه الحرب آلاف القتلي، وأحدثت دماراً هائلاً في ممتلكات المدنيين، وحملات الاعدام الميداني التي طالت الكثير من الأبراء، بالإضافة الى عمليات القصف العشوائي بإستخدام سياسة الأرض المحروقة التي راح بسببها مئات المدنيين.
كانت الموصل حينها تضم فرقتين عسكريتين (الثانية والثالثة)، بالإضافة إلى فرقة من الشرطة الاتحادية، و14 فوجًا من الشرطة المحلية موزعين على جانبي المدينة قبل أن تختفي كل هذه القوات في ظروف غامضة أمام بضع مئات من المسلحين.

سيطرة الميليشيات
حذر مراقبون من توسع نشاط المكاتب الاقتصادية التابعة للميليشيات في محافظة نينوى وازدياد جرائم الفساد والابتزاز في ظل تنصل السلطات الحكومية من مسؤوليتها بإيقاف تلك الأنشطة التي تستحوذ على المشاريع والمناقصات فضلًا عن فرض الإتاوات.
وقالوا إن “مشكلة المكاتب الاقتصادية تتفاقم وسط عجز حكومي أمام نفوذ الميليشيات المتنامي في نينوى وأن المعلومات التي تتردد من وقت لآخر بشأن غلق تلك المكاتب لا يمت للواقع بصلة فالأنشطة مستمرة بشكل مباشر وغير مباشر”.
ولفتوا إلى أن الأعمال قد تتم في بعض الأحيان عن طريق وسطاء محليين أو عن طريق شركات مع تثبيت نسب مالية كبيرة من قيمة المشروع المسيطر عليه وأن كل مشروع لا يخضع للعمولات أو لمنهج تقاسم النسب مصيره الإهمال أو تعطيله بشكل كامل.
وفي عودة للسنوات الماضية التي أعقبت استعادة الموصل من قبضة تنظيم داعش كانت مدة خمس سنوات كافية ليتحول تجار “السكراب” و “النفط ومشتقاته” و”العقارات الحكومية” في الموصل إلى واجهات اقتصادية وسياسية بارزة.
وقضت هذه المجاميع نصف المدة في هذا التحول الكبير منذ لحظة دخول تنظيم داعش إلى الموصل قبل عشر سنوات، لتضع اليوم قوانين اللعبة وترسم سياسات المدينة بما يخدم مصالحها ويرسخ نفوذها.


ويؤكد مسؤول سابق في الموصل، أن “هذه الفصائل باعت في فترة ما بعد التحرير كل مايمكن بيعه في المدينة من أراضي وسكراب، وتحولت فيما بعد إلى مراكز نفوذ داخل المدينة”.
وأكد المسؤول الذي شغل مواقع تنفيذية مفضلًا عدم الإشارة إلى هويته أن بعض الميليشيات مع مرور الوقت “أصبحت ضمن منظومة الأحزاب وهي تسيطر الآن على الوضع الأمني والسياسي”.
وبين أنه “في 2018 تحديدًا، كانت ذروة تحرك هذه الجماعات في “التجارة غير الشرعية”، حيث تحالفت مع المسؤولين التابعين لفصائل في بغداد”، وأن “هذه المجاميع قسمت وباعت الأراضي الحكومية التابعة لهيئة الآثار ووزارتي النفط والدفاع في قلب الموصل”.

المكاتب الاقتصادية
وتابع المسؤول السابق في الموصل “تعمل المكاتب الاقتصادية اليوم بالشراكة مع فصائل مازالت في الميدان، على إنشاء مدن مغلقة لأحزاب معينة”، و إن “هذه الجماعات استخدمت طريقة عزل بعض المناطق تحت تسمية الحفاظ على الديمغرافية الأصلية في منع عودة النازحين، والإبقاء على طائفة أو قومية معينة لاستخدامهم في الانتخابات”.
وفي عام 2018 الذي شهد ذروة نشاط هذه المكاتب قبل أن ترسخ وجودها قال رئيس اللجنة الأمنية في البرلمان آنذاك حاكم الزاملي، إن “بعض القطعات العسكرية الماسكة للأرض انشغلت بالقضايا المادية وبيع الأراضي والاتاوات والرشى وتهريب السكراب والمخدرات والبضائع وتهريب النفط”.
وتتهم هذه الميليشيات ومكاتبها الاقتصادية بالاستيلاء على منازل المسيحيين، الذين تناقصت أعدادهم بشكل هائل في المدينة بعد استعادتها.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن ما يقارب من 100 عقار يملكها مسيحيون، تم تحويلها لأشخاص آخرين بأسماء مزوّرة، قسم من هذه الأملاك ذهبت لأشخاص محليين متنفذين ولم تتمكن الجهود من إرجاعها لمالكيها الشرعيين، وأن أغلب هذه الأعمال حصلت في مناطق شرق الموصل.

معاناة السكان
أكد سكان الموصل أن أوضاع المدينة غير مستقرة وهناك آلام نفسية وحسرات خلفها الاحتلال وتداعياته، وما حدث أثناء فترة الحرب وعمليات القتل والقصف العشوائي من قبل القوات الحكومية، و مازالت الذكريات في قلوب وعقول كل الأهالي من جرّاء ما حصل معهم و لمدينتهم.
هذا بالإضافة الى مشاكل تعاني منها مناطق المكونات في سهل نينوى مثل المسيحيين ، التي تسيطر عليها ميليشيا “بابليون” بزعامة ريان الكلداني، وبلدة سنجار (موطن الكورد الايزيديين) التي يحتلها مسلحو حزب العمال الكوردستاني PKK بالتنسيق مع فصائل في ميليشيات الحشد الشعبي ، ومناطق أخرى قريبة من الحدود السورية ، وتسيطر عليها فصائل من الحشد وجماعات تابعة لـ PKK .  
وفي كل استذكار لهذا الحدث يُطلب من الحكومة العراقية الكشف عن سبب تجميد ملف التحقيق في سقوط الموصل، وعدم محاسبة المتورطين رغم إدانتهم في التحقيق الرسمي الذي تبناه البرلمان العراقي عام 2015، وصادق عليه، وأرسله للقضاء بمذكرة رسمية. وحمل التقرير النهائي للبرلمان 25 شخصية مسؤولية سقوط الموصل وقتها.


ويطالب أهالي الموصل في ذكرى سقوط المدينة بمعاقبة المتسببين بما لحق بهم من عذابات ، فعلى على الرغم من مرور 10 أعوام على تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش ، لا تزال فرق الدفاع المدني ومنظمات مدنية تعلن بين الحين والآخر عن العثور على جثث في أحياء المدينة ، خصوصاً الموصل القديمة ، نتيجة القصف الجوي والمدفعي الذي تعرضت لها والمعارك العنيفة التي جرت فيها .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى