العراق بلا كهرباء: حياة السكان مهددة بسبب ارتفاع درجات الحرارة
العراق بلا كهرباء: حياة السكان مهددة بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
بغداد – اوقات : يشهد العراق هذه الأيام موجة حر غير مسبوقة، خاصة في محافظات وسط وجنوب البلاد، فاقم من حدتها التراجع الكبير في مستويات تجهيز الطاقة الكهربائية إلى منازل المواطنين، ليصل في بعض الأحيان إلى نحو 4 ساعات فقط في اليوم الواحد في العاصمة بغداد؛ ما أثار استياء المواطنين.
وعلى الرغم من الوعود الحكومية المتكررة بتحسين الخدمات الكهربائية، إلا أن الواقع يعكس استمرار المشكلات والتحديات التي تحول دون توفير طاقة مستقرة للسكان منذ عقود، وتهديد حياتهم بعدم توفير أبسط حقوقهم من الخدمات التي أصبحت أقصى ما يتمناه الفرد في العراق، ومع الحرارة الشديدة وارتفاع الدراجات لأرقام قياسية تجاوزت 53 درجة مئوية في معظم مناطق العراق التي دخلت ضمن قائمة الأشد حرارة في العالم.
وبلغ إنتاج العراق من الكهرباء العام الماضي 24 ألف ميغاواط، بينما يبلغ حاليا 25 ألف ميغاواط، وعلى الرغم من أن الإنتاج الحالي أكبر من إنتاج العام الماضي، إلا أن التجهيز أسوأ بكثير، ويعزو مختصون سبب ذلك إلى الزيادة السنوية في معدل حجم الاستهلاك السنوي.
الحكومة لا تعد بالمعالجة
وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، إن وزارته تدرك حجم المشكلة التي تواجه قطاع الكهرباء اليوم في مختلف المناطق العراقية، وهناك حلول لجأت إليها الوزارة بشكل عاجل، إلا أن هذه الحلول لا تعالج المشكلة بشكل كامل.
وأوضح موسى، أن الحكومة العراقية رسمت خريطة طريق لمعالجة نقص إنتاج الطاقة ومشكلات النقل والتوزيع والتحول إلى الإنتاج والتوزيع الأرضي، الذي يعتبر إحدى الوسائل الآمنة لنقل الطاقة، في ظل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة. وأضاف أن البنية التحتية وشبكات النقل والتوزيع في العراق قديمة، وتسبب ذلك في عودة أزمة الكهرباء وزيادة في ساعات التقنين، وأن وزارة الكهرباء تعمل على إدامة ساعات التجهيز بأفضل صورة ممكنة.
وأشار إلى أن وزارة الكهرباء لا تعد بمعالجة الأزمة بشكل جذري، لأن ذلك يحتاج إلى وقت طويل، خاصة أن العجز يصل إلى أكثر من 14 ألف ميغاواط، فضلاً عن الحاجة إلى محطات تحويل وشبكات توزيع جديدة، في ظل الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية.
وأكد أن المشكلة الرئيسية المسببة لتدهور قطاع الكهرباء في العراق هي سوء شبكات النقل والتوزيع، لأن جزءاً كبيراً منها قديم ولا يتحمّل درجات حرارة عالية، وجزء آخر يعاني من زخم وأحمال زائدة تفوق قدرته، بالإضافة إلى التجاوزات الحاصلة على شبكات النقل والتوزيع.
خطر على المواطنين
يشكو مواطنون من قلة ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية الوطنية التي لا تتعدى ساعتين متواصلة، وإن هناك ازدواجية في التعامل مع تجهيز الكهرباء بين منطقة وأخرى، إذ تشهد المناطق التي يسكنها المسؤولون ومكاتب الأحزاب استمراراً في التغذية بالكهرباء، بينما المناطق الشعبية الأخرى تعاني سوء التجهيز.
ويؤكد المواطنون لوسائل الإعلام، أن واقع الكهرباء في العراق بات مرضاً مزمناً يتفاقم مع حلول فصل الصيف، وأن المواطنين يعتمدون على المولدات الكهربائية الأهلية التي لا غنى عنها، وأصبحت بديلاً موثوقاً به بدلاً من الوعود الحكومية التي اعتاد عليها العراقيون في ملف الكهرباء.
و يفيدون بعدم وجود أي تحسن في المنظومة الكهربائية، إنما الواقع أصبح يتجه للأسوأ، ولغاية الآن لا توجد معالجة فعلية لهذه المشكلة، على الرغم من الأموال الطائلة التي صُرفت على المشاريع والمحطات.
ويلجأ معظم المواطنين وخاصة من أصحاب الدخل المحدود يلجأون إلى الاشتراك مع المولدات الأهلية بأسعار باهضة تصل الى 20 ألف دينار للأمبير الواحد، مما يحمل المواطنين عبئاً اضافياً على دخل العائلة، وعلى الرغم من ذلك يقوم أصحاب المولدات بإطفائها كل 4 ساعات لمدة ساعة يدعونها بـ(الاستراحة).
ويأتي هذا الصيف الخانق بعد ربيعٍ تكرّرت فيه وبشكل غير مسبوق العواصف الترابية التي يعزوها الخبراء إلى التصحّر والتغيّر المناخي، وأوضح المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، أن المؤسسات الصحية في مختلف المحافظات استقبلت عدد كبير من المرضى المصابين بضربة الشمس خلال هذا الصيف.
وأضاف، أن التوقعات تشير إلى وجود موجات حرّ أكثر وعواصف ترابية متكرّرة، مما يدعو الى اتخاذ اقصى درجات الحذر والتدابير الوقائية لتجنب درجات الحرارة العالية و التلامس المباشر لأشعة الشمس التي قد تودي بحياة عدد كبير من المواطنين.
تفاقم الأزمة
في السياق، حذّر مختصون من تفاقم أزمة الكهرباء خلال الشهرين المقبلين؛ بسبب سوء التحضيرات لكوادر وزارة الكهرباء، خلافاً للوعود التي أطلقتها الوزارة للموسم الصيفي الحالي، مبينة أن اللجنة حدّدت الأسباب الحقيقية التي تقف خلف انخفاض معدل ساعات التجهيز في مختلف المناطق العراقية.
و إن التحضيرات التي وعدت بها وزارة الكهرباء لموسم الصيف الحالي لم تكن دقيقة، إذ تكررت ذات المشكلات التي كانت في العام السابق والأعوام التي سبقته. وبيّنت أن اللجنة حددت الأسباب الحقيقية وراء الفشل في تحقيق ساعات التجهيز من خلال عمليات الإنتاج والنقل والتوزيع، وبالخصوص قضية عدم توفير المغذيات الكافية التي تتحمّل الضغط الكبير على الطاقة الكهربائية.
وأكد الخبير في مجال الطاقة كوفند شيرواني أن أزمة الكهرباء في العراق متواصلة ولا يمكن أن تتحسن ما دامت مفاصلها الأساسية المتمثلة بتوليد الطاقة الكهربائية والنقل والتوزيع تعاني من الإهمال وعدم التطوير وإعادة الصيانة منذ سنوات.
وأضاف شيرواني، أن واقع الأزمة يشير الى وجود عجز كبير في الطاقة الكهربائية المجهزة. ويفيد شيرواني بأن أغلب مشاريع الكهرباء في السنوات السابقة ركّزت على الصيانة وتأهيل المنظومات القديمة من الدور البسيط الى الدور المركب للحصول على قدرات إضافية بحدود 15 في المائة، إلا أن هذه المشاريع استنزفت جزءاً كبيراً من الموارد التي كان يمكن أن يتم استثمارها في بناء محطات توليد للطاقة الكهربائية بقدرات كبيرة.
وعن إجراءات الربط الكهربائي مع الخليج العربي والأردن، يشير شيرواني إلى أن الربط مع مجلس التعاون الخليجي جيد نسبياً، لأنه يعالج جزءاً من العجز الموجود في محافظات جنوب العراق، إلا أنه يواجه عقبات إدارية وروتينية حالت دون إكماله. ويضيف أن الربط مع الأردن يبدأ بـ 500 ميغاواط، وربما يصل الى 1000 ميغاواط، وهذه الكمية قليلة ولا تتناسب مع حجم الحاجة ومستوى العجز، إلا أنها يمكن أن تغطي مناطق محاذية للحدود الأردنية في محافظة الأنبار.
ويختم تصريحه بأنه لا يمكن حل الأزمة ما لم يتم إنشاء محطات توليد ضخمة تعمل بالغاز الطبيعي، بدل استهلاك الموارد في عمليات الصيانة والتأهيل للمنظومات القديمة، واستخدام الغاز الطبيعي وفق جدوى اقتصادية وبيئية تتناسب مع الوضع العراقي، ويمكن استثماره بشكل مباشر بدلاً من استيراد الغاز الطبيعي والكهرباء من دول الجوار بقيمة تتجاوز خمسة مليارات دولار سنوياً.