مخاطر عالم النفس في الترويج للسلوكيات المنحرفة

مخاطر عالم النفس في الترويج للسلوكيات المنحرفة

حامد شهاب
من المخاطر التي تواجه السلوك المجتمعي والعادات والسلوكيات الموغلة في التخلف والهمجية أن ينبري من يحسب نفسه على خانة عالم النفس الإجتماعي السيكولوجي ليبحث في تحليل ثنايا تصرفات وسلوكات الغوغاء الإنفعالية الحادة ليجد لها مبررات أو ليندفع مع توجهاتها الخطيرة دون أن يدرك تأثيراتها الكارثية على مستقبل المجتمع في وقت تسير به تلك الأنماط السلوكية المنحرفة نحو الإنحطاط والتدني السلوكي المجتمعي الموغل في تعذيب النفس وإذلالها وقهرها.إن كتابا ومثقفين وحتى مفكرين ومختصين في الشأن النفسي الإجتماعي قد يسوءهم أن يتوافق عالم نفس إجتماعي مع سلوكيات من هذا النوع أو يبحث لها عن (تبريرات) ذا طابع نفسي إجتماعي وقد تكون محاولات من هذا النوع تهدف الى التوافق مع مروجيها ومن يبعث فيها النفس الشريرة لتزداد إحترابا وسادية في تعذيب النفس فهذا من شأنه أن يعد إنحرافا في العلم والمهنة والسلوك الأخلاقي وتلك مصيبة كبرى وخطر كارثي ينبغي التوقف عنده مليا لأن إنحرافات العالم النفسي الإجتماعي ربما تفوق إنحرافات رجل الدين الذي يريد تحريك الغوغاء والمشاعر الجياشة الموغلة في السادية لصالح توجهاته ويجد فيها ضالته في السيطرة على عقول البشر كي يبقى هو من يحرك عقولهم المنومة وفق ما يريد تحقيقه من أهداف في أن تبقى تلك السلوكيات المتخلفة هي السائدة ومن يتم تهييج مشاعرها السلبية كلما وجد أن الفرصة سانحة امامه لتكميم عقول البشر وسرقة أفئدتهم وأدمغتهم وتنويمها مغناطيسيا.والطامة الكبرى أن عالم النفس هذا يعود الى نظريات وضعها عالم النفس الاجتماعي الفرنسي (أميل دوركايم) لينحرف بها عن أصولها ومنبعها حين كان دوركايم يحذر من تاثيراتها الكارثية على الأجيال وليس تبيان فضائلها كما يحاول عالم النفس الاجتماعي الذي ساق لنا توجهات مجموعة من علم النفس المعاصرين ليحاول التلاعب بقصد أو بدون قصد في تحريف توجهاتها بما يحاول أن يثبته للآخرين أو يدعم توجهاته في تشجيع سلوك الغوغاء في أن تعلي هيجانها وصيحاتها وما ترافقه من سلوكيات تؤدي الى تعذيب النفس والعمل على تحفيز مشاعرها السلبية بالاتجاهات التي تخدم رجل الدين المستغل للعقول المتخلفة والسلوكيات المنحرفة وإذا بعالم النفس النفس الاجتماعي يتوافق مع هذا المنحى بل ويوفر له المبررات لأن يتخذ من عقول الغوغاء والمنحطين سلوكيا نحو الإستمرار في ممارسة هذه السلوكيات كونهم في دواخلهم يشعرون بالإذلال وهم بحاجة بحسب ما يحاول غرسه في أذهان الآخرين انهم يجدون في تعذيب أنفسهم وانحطاطية سلوكهم أنهم ينفسون عن كربات الحياة بدلا من أن يحاول عالم النفس تشذيب الشاعر والتوجهات السلوكية المنحرفة لتترفع بها النفس وتشعر بآدميتها وإنه ليس من صالحها ولا من الأسس الاخلاقية والمنطقية أن ينبري الإنسان تحت ضغط الشعور الجمعي الغوغائي بإيلام النفس وتعذيبها وإرغامها على ممارسات وفرت لها بعض الجهات الدينية الذرائع لكي تبقي جذوتها تشتعل كل عام ، لخدمة أغراضها غير الإنسانية.ولو يدرك عالم النفس الاجتماعي أميل دوركايم أن نظرياته ومقولاته عن طبيعة النفس البشرية وكيف يكون بإمكان المتخلفين وعديمي الثقافة أن تكون سلوكياتهم تهوي بهم الى الإنحطاط دون أن يكون بمقدور عالم النفس الاجتماعي الإرتقاء بالنفس الإنسانية الى أعلى مستوياتها الإيجابية والمتحضرة لكان دوركايم قد توقف عن الإسهام في تقييم سلوكيات من هذا النوع وكيف يكون بدوره كعالم نفس إجتماعي أن يحذر من مخاطر التخلف الإجتماعي والديني في السلوك الذي يكرس الجهل والتخلف والإنحطاط وكل حالات الميتافيزيقيا في السلوك البشري الخارج عن كل منطق أو حكمة أو نظرة إنسانية ولو في حدها الأدنى.كان عالم النفس الإجتماعي الفرنسي دوركايم يبحث في المعنى الإيجابي لقدرة الجموع البشرية على ان تجد لها متنفسا في الثورات الإجتماعية على واقعها وليس تهييج عقول المتخلفين والغوغاء بل عقول من يجد فيهم القدرة على الإرتقاء بالتفكير الإنساني ليتجه بسلوكهم نحو خدمة انفسهم في إحداث التغيير الإيجابي الذي يخدم مجتمعاتهم لا أن يسير من خلال عقول متخلفة غوغائية لترسم معالم التمرد والسلوكيات المنفرة والتي لايجد فيها المجتمع بشكل عام ولا النخب المثقفة إلا تعبيرا عن غرائز إنفعالية مشحونة بالبغضاء تكون غالبا أقرب الى سلوك الغوغاء من أن تكون ممارسات واعية ولكن عالم النفس هذا ينحو بالاتجاهات التي تكرس تمرد الجماعات المتخلفة لتحافظ على تراثها الموروث هذا برغم أنه سلوك منحرف يميل الى الحط من قدر النفس الإنسانية وهو مالا يقبله دوركايم ولا غيره بأي حال من الأحوال.بل وذهب عالم النفس هذا الى أبعد من ذلك ليستشهد بعالم النفس الإجتماعي الفرنسي الآخر (بيار بورديو) ليؤكد منطقية ما يحاول التوصل اليه من فرضيات من خلال القول أن (تكرار الإتيان بشعائر الطقوس الدينية بحسب توقيتات زمنية (أسبوعية،سنويّة) ليعمل على ترسيخ المعتقد في “تطبع” الذهن والجسد، كي تترسّخ تباعا عبر عمليات التكرار والتطويع،بإستخدام الشحنات الروحية والوجدانية وهو ما يعني من وجهة نظره ” أن تكرار الطقس بعمليات الشحن الروحي والنفسي الاجتماعي يؤدي الى انتقال قواعدها عبر الاجيال بعمليات تنشئة واكتساب ثقافي يفضي الى ترسيخ المعتقدات والقناعات والميول في الجسد والذهن معا “، وأي إكتساب ثقافي لممارسات سلوكية تعد ربما شاذة ومنحرفة لندخلها في عمليات الإكتساب الثقافي التي يفترض أن تجد لها مبررات إيجابية ومنطقية إذا كانت ممارسات تندرج في إطارها الثقافي الذي يزيد من مستوى عقلية المجتمع لا أن ينزل بها الى القاع لتزداد تخلفا وإنحطاطا.والأكثر إيلاما ان عالم النفس الإجتماعي هذا يستعرض ممارسات حدثت في التاريخ المعاصر وليس في أزمنة ساحقة لكي يمكن أحياء تلك المشاعر أو السلوكيات أي أن ليس لها جذر ديني إيجابي مجتمعي غائر في أعماق التراث الروحي ينحو نحو الإعتراف بالقيمة الإنسانية بل أنه يبرر لتلك السلوكيات والعقليات الهائجة أن تبحث في ثنايا التاريخ القريب وليس البعيد ما يعني أنها ممارسات أدخلت بتخطيط مبرمج في وقت متأخر من جهات لاتريد لهذا المجتمع الخير والتقدم والنهوض وتريد إبقائه منوما مغفلا تسير به مشاعر الغوغاء الى التغييب الروحي الإنساني للنفس وللعقل لكي يستمر في تأدية سلوكيات هي أقرب الى (البدعة) و(الإختلاق) وينفر منها كل دين سماوي يسمو بالإنساني وعقله وتفكيره لينتج السلوك الإيجابي الفاعل المؤثر المتوافق مع روج مجتمعه ودينه وكتابه السماوي وليس وفق أهواء أناس حاولوا تضليل الأجبال وتغفيل عقولها وإدراكها نحو سلوك غوغائي لايعرفون من خلاله سبيلا لمستقبلهم وطريقا لإنقاذهم من مهاوي السقوط والإنحدارات المجتمعية والأقدار اللعينة التي قد تحيق بهم.وبرغم من أن عالم النفس الإجتماعي الذي قد أشرنا اليه قد حاول في نهاية إستعراضه النظري للسلوكيات المنحرفة قد عبر عن إستغرابه من تلك السلوكيات وفيما إذا كانت تتوافق مع النظام الديمقراطي وحقوق الإنسان والمطالب المجتمعية المشروعة في أن يجد الإنسان من يرتقي به إلا انه وكما أرى أنه قد وضع مسوغات مجتمعية لتصرفات من هذا النوع وحاول أن يظهر قدرا من المعارضة لها في نهاية المطاف لكنه أدخل نفسه في موضوع خطير يبرر تلك السلوكيات من خلال إستعراض نظريات أو مقولات لعلماء إجتماع ونفس سابقين لينحو بإتجاه علميتها أو مقبوليتها وانها سلوكيات تظهر حين تتدهور أحوال المجتمعات أو لأن أحوالها الإجتماعية نزلت بها الى أحوال غاية في السوء والتدهور وهم يجدون فيها (تنفيسا) عن رغبات دفينة عله يكون بمقدورهم ان يجدوا لأنفسهم (مخرجا) من واقعهم الإجتماعي الأليم وهو ما شفع له ربما في نهاية تنظيراته من أن تلك السلوكيات لاتدخل في إطار السلوك الواعي الملتزم وتتعارض كثيرا مع أنماط السلوك الإجتماعي العام.